الرئيسية

“مشينا فيها، الناشئة ماعندها والديها”، الحرب المعلنة ضد الدولة والمجتمع

أعدها للنشر :سدي علي ماء العينين ،أكادير ،مارس، 2022(مقال42). 

قبل سنتين كتبت مقالا بعنوان :الخطر القادم من الأرحام، خصصته لظاهرة تزايد الأطفال خارج مؤسسة الزواج والذي قد يجعل من المغرب بؤرة اجتماعية يصعب معالجتها بكل التدابير و التشريعات والقوانين، لأن هذه الفئة تعد المصدر الأول للجريمة و العنف المجتمعي، 

تقرير  لـ”الجمعية المغربية لليتيم  كشف أنه يتم “التخلي عن 24 طفلا في اليوم بما يصل إلى 8640 في السنة”.

وتتوقع الجمعية نفسها، أن يصل في أفق 2030 عدد المُتخلّى عنهم “إلى 86 ألفا و400 طفل متخلى عنه لا يتعدى 10 سنوات، و155 ألفا و520 طفل متخلى عنه لا يتعدى 18 سنة”.

الجهات الرسمية تعتبر هذه الأرقام خيالية وتستشهد  بآخر تقرير لرئاسة النيابة العامة لسنة 2019 الذي جاء فيه أن مجموع الأطفال المهملين بالمغرب قد بلغ 2449 طفلا، منهم 1311 ذكورا و1138 إناثا، مقارنة بسنة 2018، إذ سُجّل 2009 طفلا، منهم 1049 ذكورا و960 إناثا”

ظاهرة أخرى هي جزء من ظاهرة الأطفال المتخلى عنهم وتخص أطفال الشوارع، 

أطفال وفتيان مراهقون، يجوبون الأحياء على شكل مجموعات وهم يغنون أناشيد رياضية بكثير من الضجيج، حرفة كثير منهم النشل والسرقة بواسطة السلاح الأبيض، يتعاطون المخدرات ويستنشقون أنواع اللصائق، البيت الوحيد الذي ألفوه هو الشارع، 

لا توجد إحصائيات رسمية دقيقة لعدد أطفال الشوارع في المغرب، غير أن دراسة سابقة أشرف عليها الباحث الاجتماعي شكيب جسوس تفيد أن هناك ما يزيد عن 30 ألف طفل مغربي يعيشون في الشارع،  فيما يقول المركز المغربي لحقوق الإنسان إنه يوجد قرابة مئة ألف طفل في المغرب يولدون دون هوية أب، محذرًا من أن هؤلاء الأطفال يعتبرون مشروع “أطفال شوارع” في المستقبل.

قد يكون السلوك الإجرامي لهذه الفئات محصورا في مجموعات صغيرة تجوب شوارع المدن، لكنها بولوجها إلى الملاعب تتحول إلى قنبلة موقوتة، حيث يكون الوازع رياضيا والتعصب للفريق، لكن الحقيقة هي أن التجمعات الكبرى تصبح خير فضاء لتصريف العنف  ضد مجتمع تعتبره هذه الفئة ظالما ومجحفا في حقها. 

 فقد باتت آفة الشغب التي تعرفها بعض ملاعب كرة القدم 

 الوطنية، تقتضي بلورة إستراتيجية واضحة المعالم من قبل كل المتدخلين في الشأن الرياضي وتستدعى أكثر من وقفة تأملية، بعدما دخلت في الآونة الأخيرة منعطفا جديدا.

فقد تعدت أعمال الشغب مدرجات الملاعب إلى خارج أسوارها، مخلفة صورا سلبية لا تمت بصلة للروح الرياضية وأخلاقها، وتتجلى بالأساس في تخريب التجهيزات الرياضية والمساس بممتلكات الغير وترويع الساكنة في محيط الملاعب، فضلا عن إصابة العديد من المشجعين 

فأمام تزايد حدة ظاهرة الشغب، التي تعد ظاهرة عالمية تتطلب تظافر جهود مختلف المتدخلين في اللعبة، حاول المغرب مواجهتها بشكل جدي، وعلى جميع الأصعدة، من خلال إطلاق حملات تحسيسية في أوساط المشجعين لتوعيتهم بخطورة هذه الظاهرة، وعواقبها 

وفي هذا الصدد، قال الباحث في السياسات الرياضية، منصف اليازغي، إنه موازاة مع المجهود الذي يبذل على صعيد تطوير كرة القدم الوطنية انطلاقا من تأهيل البنيات التحتية والمنظومة الكروية ككل ، ما زالت ظاهرة الشغب بالملاعب تسيء إلى السمعة التي تحظى بها اللعبة الأكثر شعبية وتضع الجميع أمام حتمية التساؤل عن ما هي الأسباب والحلول لهذه الآفة.

واعتبر اليازغي، أن من بين أسباب تفشي الظاهرة، بالإضافة إلى الأزمة « التي باتت تعيشها الأسرة والمدرسة »، فشل كل المقاربات في ظل غياب استراتيجية واضحة لمحاربة آفة الشغب، مبرزا أن هناك قانونا يجب تطبيقه ويتعلق الأمر بالقانون 09.09، والذي حسب رأيه يتم التعامل معه بمرونة زائدة.

وبشأن دوافع بروز هذه النوعية من الممارسات السلوكية في المجتمع المغربي خلال السنوات الأخيرة، أفاد عبد القادر مانا، باحث مغربي في علم الاجتماع، بأن “مجموعة من المدن الكبرى بدأت تشهد عودة ملحوظة لظواهر الإجرام بصفة عامة من طرف بعض الفئات المجتمعية، خاصة الشباب”.

وقال الكاتب المغربي، في تصريح لجريدة هسبريس الإلكترونية، إن “الأمر أشبه بعودة تقاليد السيبة التي كانت سائدة خلال القرنين السابع عشر والثامن عشر”، مضيفا: “ينبغي إعادة النظر في المناهج التربوية الراهنة التي تحكم العامل الأمني في صياغتها خلال العقود الماضية”.

الصحافة الوطنية تتعامل مع هذه الظاهرة بأنها شغب، والحال اننا أمام سلوكات تخرج من نطاق الملعب إلى الشوارع ولا تميز بين أنصار الفريق الخصم وممتلكات المواطنين، وهذا يجعلها في مرتبة الجريمة كاملة الأوصاف، 

ويحيلنا هذا الاستنتاج إلى ظاهرة  تفشي الجريمة ببلادنا 

 فقد كشف تقرير أممي عن تصاعد عدد جرائم القتل في المغرب بشكل سنوي، حيث يصل المعدل إلى 2.1 جريمة قتل لكل 100 ألف حالة وفاة.

وجاء في التقرير الذي أعده مكتب الأمم المتحدة المعني بالمخدرات والجريمة وأصدره الأسبوع الجاري، أن الاتجاه التصاعدي في جرائم القتل في شمال إفريقيا يتركز في مدينتين فقط، هما العاصمة الجزائرية ومدينة الدار البيضاء في المغرب.

وحسب نوع الجرائم، فإن 29% من جرائم القتل في المغرب يقوم بها “شريك حميم” أو “فرد من الأسرة”، و8% نتيجة السرقة، و3% منها تنفذها عصابات في إطار الجريمة المنظمة.

نحن إذا وبلا تضخيم أمام تفكك مجتمعي يتغدى من ظواهر اجتماعية تمس الفئة الحيوية بالمجتمع وهم الأطفال والشباب، و هو ما يتهدد السلم الاجتماعي والأمن العام ببلادنا، والتصدي له لا يحتاج إلى مقاربات أمنية أكثر منه حاجة إلى مراجعة السياسات العمومية و المقاربات التربوية والعلاقات الأسرية. 

نحتاج إلى وقفة تأمل صارمة نعري فيها عيوب بنيتنا المجتمعية لرسم خطط إنقاذ مستعجلة وعاجلة لإنقاذ ما يمكن إنقاذه 

فهل تعتبرون؟ 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى