مجتمع
أخر الأخبار

آفـة الـهـدر الـمـدرسـي: بين النوايا والنتائج

آفـة الـهـدر الـمـدرسـي: بين النوايا والنتائج

 

حزيلة ابراهيم

 

يعد الهدر المدرسي من بين التحديات الكبرى التي تواجه قطاع التعليم في المغرب، حيث تعاني العديد من الفئات المجتمعية من هذه الآفة التي تهدد مستقبل الأجيال الشابة. فتفاقم الهدر المدرسي يمثل خطراً ليس فقط على المستوى التعليمي، بل ينعكس أيضًا بآثار اجتماعية واقتصادية عميقة على البلاد.

 

يُعرَّف الهدر المدرسي بانقطاع التلاميذ عن الدراسة قبل إتمامهم التعليم الإلزامي، ويظهر هذا الانقطاع بشكل خاص في المناطق الريفية والنائية، حيث تواجه الأسر صعوبات مادية واجتماعية تحول دون استمرار أبنائها في التعليم. رغم الجهود المبذولة من الحكومة لتحسين البنية التحتية التعليمية، لا تزال هناك فجوات كبيرة تعرقل تحقيق العدالة في الحصول على التعليم.

 

وفقاً للتقارير الرسمية، يشهد المغرب نسباً مرتفعة من الهدر المدرسي، خصوصًا في التعليم الإعدادي والثانوي، حيث يختار العديد من الطلاب ترك المدرسة لأسباب تتراوح بين الفقر، الحاجة إلى العمل لدعم الأسرة، أو عدم اقتناع الأسر بأهمية التعليم.

 

ومن بين أهم الانعكاسات الاجتماعية للهدر المدرسي، تزايد نسب الأمية في صفوف الشباب، ما يساهم في توسيع دائرة الفقر. يُفقد الشباب القدرة على الوصول إلى وظائف لائقة في المستقبل، مما يدفع بعضهم إلى الانخراط في أنشطة غير قانونية أو ضارة بالمجتمع مثل الجريمة أو الانزلاق نحو التطرف. إضافة إلى ذلك، يؤثر الهدر المدرسي على بناء الشخصية وثقة الشباب بأنفسهم. عدم إكمال الدراسة يضعف فرص الشباب في تطوير مهاراتهم الشخصية والمهنية، مما يزيد من احتمالية العيش في الهامش الاجتماعي.

 

اما فيما يتعلق بالانعكاسات الاقتصادية، فإن المغرب يعاني من خسائر كبيرة، إذ يعد التعليم استثماراً أساسياً في الراسمال البشري، وعندما يُحرم جزء كبير من الشباب من التعليم، يُفقد الاقتصاد الوطني طاقات وكفاءات قد تكون قادرة على المساهمة في التنمية الاقتصادية. كما أن التكاليف المباشرة وغير المباشرة المرتبطة بالهدر المدرسي تضعف من القدرة التنافسية للبلاد على الصعيدين الإقليمي والدولي.

ومن الآثار الاقتصادية الأخرى، أن الشباب غير المؤهل يصبحون عبئاً على نظام الرعاية الاجتماعية، بدلاً من أن يكونوا فاعلين في السوق الاقتصادية. وهذا يؤدي إلى زيادة الإنفاق الحكومي على برامج الرعاية، مما يقلل من المخصصات المالية التي يمكن توجيهها للاستثمار في التعليم والبنية التحتية الأساسية.

 

تسعى الحكومة المغربية من خلال عدة برامج إلى محاربة الهدر المدرسي. من بين هذه البرامج، المبادرة الوطنية للتنمية البشرية التي تهدف إلى تحسين ظروف التعليم في المناطق النائية والريفية. كما تعمل وزارة التربية الوطنية على تطوير برامج للدعم المدرسي وتحسين البنية التحتية التعليمية في المناطق التي تعاني من ضعف الموارد.

 

إلى جانب ذلك، هناك العديد من المبادرات التي تقوم بها جمعيات المجتمع المدني لدعم التلاميذ والتلميذات الأكثر عرضة للهدر، وذلك من خلال توفير مساعدات مالية أو لوجستية لتشجيعهم على الاستمرار في التعليم.

 

ومع ذلك، ورغم الجهود المبذولة، يثير التدخل الحكومي في هذا الصدد بعض الانتقادات لما له من آثار سلبية على المدى الطويل، تؤثر على جودة التعليم وسلوكيات المتعلمين والمدرسين.

 

من بين هاته الآثار تعد البيروقراطية المتزايدة وتضخم النظام الإداري واحدة من أبرز سلبيات التدخل الحكومي التي تصاحب أي عملية إصلاح. فعادةً ما تتطلب السياسات الحكومية المعقدة إجراءات متعددة، مما يؤدي إلى تضخم النظام الإداري وازدياد التركيز على الأمور الشكلية بدلاً من الأهداف الجوهرية. ويؤدي هذا إلى تعقيد عملية التنفيذ على مستوى المدارس والمديريات التعليمية، مما يعطل فعالية البرامج المخصصة للحد من الهدر المدرسي.

 

ناهيك عن التركيز على الكم على حساب الجودة، حيث غالباً ما تسعى الاستراتيجية الحكومية إلى تحقيق أهداف رقمية محددة تتعلق بخفض نسبة الهدر المدرسي، وذلك في إطار مؤشرات أداء قصيرة الأجل، الشيء الذي تؤدي في الكثير من الأحيان إلى التضحية بجودة التعليم لصالح زيادة أعداد المتمدرسين المسجلين. حيث تُمنح الأولوية لإبقاء التلاميذ والتلميذات في النظام التعليمي مهما كانت الظروف، دون التأكد من حصولهم على تجربة تعليمية فعّالة. ونتيجة لذلك، قد نجد مدارس مكتظة بالمتعلمين، ومدرسين مرهقين غير قادرين على توفير التعليم الملائم.

 

فضلا عن ضعف التنسيق بين الحكومة والمجتمع المدني، إذ تُعتبر المنظمات غير الحكومية والجمعيات المحلية لاعبين رئيسيين في معالجة مشاكل الهدر المدرسي، بفضل قربها من المجتمع وفهمها لاحتياجاته. ولكن، عند التدخل الحكومي، أحيانًا ما يتم تهميش دور هذه المنظمات أو تجاهلها، مما يؤدي إلى فقدان التنسيق اللازم لتحقيق أهداف مشتركة. هذا الانقطاع في التعاون يحد من فعالية الجهود الجماعية، ويضعف فرص إيجاد حلول مستدامة.

 

كما أن الإصلاحات الحكومية تفرض أحياناً سياسات تعليمية عامة لا تأخذ في الاعتبار التفاوتات الإقليمية والاجتماعية؛ فقد تختلف أسباب الهدر المدرسي في المناطق الحضرية عن تلك في القرى والمناطق النائية. وعلى سبيل المثال لا الحصر، قد يكون الفقر والبعد الجغرافي من أسباب الهدر في القرى، في حين يلعب الاكتظاظ المدرسي ونقص الدعم النفسي دوراً أكبر في المناطق الحضرية. هذه الفجوة بين السياسات والواقع المحلي تؤدي إلى نتائج متواضعة في كثير من الأحيان.

 

الى جانب ذلك تعتمد العديد من التدخلات الحكومية للحد من الهدر المدرسي على برامج دعم مالي مثل تقديم منح دراسية أو مساعدات مالية للأسر، في حين أن هذه الحلول قد تكون فعالة على المدى القصير، إلا أن الاعتماد المفرط على الدعم المالي قد يؤدي إلى تآكل الدوافع الذاتية للطلاب والأسر في السعي للتعليم. كما أن هذه البرامج عرضة للتقلبات الاقتصادية والسياسية، مما يهدد استدامتها.

 

الخلاصة على الرغم من الجهود الحثيثة التي تبذلها الحكومات للحد من الهدر المدرسي، إلا أن التدخلات الحكومية ليست دائماً الحل الأمثل. لتحقيق نتائج فعالة ومستدامة، من الضروري أن تكون هذه التدخلات مدروسة ومرنة تأخذ بعين الاعتبار التنوع الاجتماعي والاقتصادي للطلاب. كما يجب تعزيز التعاون بين مختلف الأطراف الفاعلة، بما في ذلك المجتمع المدني، لضمان أن تكون السياسات التعليمية جزءاً من رؤية شاملة تضع جودة التعليم في المقدمة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى