الرئيسية

الشاعرة هند بومديان تكتب=سفر الروح

 

المغرب تحت المجهر 

في ظلال الذاكرة المثقوبة ، سكون ساحر يعطر كفن الرحيل، هناك  فقط رقصا متعانقين حين التقيا ، بين صمت و ألم في سفر الأطوار، يتكئان على عكاز الزمن ،لتبدأ معزوفة بنبض الضياع، و كل المصابيح قد تهشمت، فتتبدد أنغام الكمان، و ما كان شاردا بات برعما متعلقا بأطراف الأيام 

يلوذ بظل النبض ، فيفاجئني اللقاء بباقات جاردينيا ، و بسحب عتيقة لتمطرني أحباب قصيدة موجوعة على رقصة حذو القمر 

بحثت في ثنايا حرفي عنه وعني ، و عن تلك المقاهي الغافية على بساط الشوق حيث كنا، و وحدها لهفتي هناك تداس برفق ، أيقظت كل رسائل العتاب كرصاصات طائشة بعثرت لحظات الدفء و ظلمة الساعات،لتحفر بجمجمة الوعي وتسدل ستائر الإحساس حين غيبوبة الزمن

يصعد وعي روحي سدة مهجورةب غرفته، يفتح حقيبة قد كساها الغبار تلمع منها  ذاكرتي، ما أن تلامس قدماه ارض الغرفة ،حتى تداهمه السنون و تنسج خيوط الاحتضار ، وتتشرنق معظم حواسه على وسائد الصبر 

لملمت مع الشمس كل الصور من صندوق الذاكرة ،و أكاليل النعش تبكي فوق خدود الأرض ، فتكبر ظلالي بين الحزن و الدمع ولم أجد بذاتي سوى غريبة تقف في مكان لم يصل له من قبل تصمت الأصوات 

و يزحف النسيان كلما سقط المطر حتى استثنيت أعوام الغياب، و ما كنت أراه أمامي هو أقوى تجسيد للشر و ليتني مرة أغدو إلى ذاك الركن من حياتي ، حيث كل المصابيح قد تهشمت علها تتلاشى رائحة الشوق ، وتبددت أنغام الكمان عن عيون النوافذ

صياح يمكث لبرهة ثم يرحل، و تذاكر حضورٍ لكلماتي المُتمردة، في زوايا العمر تغيب منها همسات الدفء ، تاركة كف الأمنيات مصلوبة ،و ظل ولاءٍ يبجِّلُني في صفه ، كلما تسللت إلي سرائر الروح

ف أكون قد صفِّدت عنك ذاكرتي  منذ أمدٍ بعيد ، فأراني،

ف رفقا بي , بأناملي الراشدة أشد الجبين, و جروح بحري في موج تسِره، تتمزق ببوحه  

ترى ، ما ذنبُ أرخبيل بَوحي على شاطئي ؟ 

و على الصخور منارة تذمُّ عقدي النفيس ، كلما  لمحت فلكك فترطمه طوعا، أتأملها فتعتلي حنجرة الفجر 

تملأ الأماكن صراخا ، فتتمزق بيوت الحنين ، و تتسربل تمتمات تنسج خيوط الاحتضار ، لتلثم الحقيقة وجهها ، فتقطر الأفكار دما ،وتحبس الكلمات في سراديب الروح

و ألف كتفي  و قد رسمت عليه بألوان رمادية طلقة طائشة، يقارع مغارة الغدر ، الاسم ثابت تتوافد الأرواح عليه من كل سماء و في رواق ذكرياته صورتك، نافذة و ستائر ، أحجب بها عنك عينا سلبتها من جحيم يغيب فيه قوس قزح لينسج شال غربتي 

من رحم ليلٍ قديم وصل يراوغ الغياب من جذوة الأرحام ، صهِر فيه معدِن كلماتي و هي تلفظ أنفاس آخر الحروف ، تولد عتمة الرواق في عقلي ، جدرانْ طَلاها بالصمت،عليها الكثير من الأعين الحذرة، يصلب بين أروقتها الزهر في أصيص القحط ، و أذن تنصت للبوح الذي يرتطم بنبضات قلبه 

تبا ،  ماكل هذا الهذيان ؟ و كلي بساطٌ يفوح بريح الجثث، تلك التي تتهافت على روح البوح في صحفه ، لتبعث بنات ليله من جديد ، فتنادي على سجال طوَته الجدوى على ظلال الذاكرة ب اسمك ، فأشعل نارا أحرق بها برعم حسرةٍ على صمتي، فتمتد يد الموت إلى عنق الأنفاس 

و على مهل أدخن تلك الكلمات , و أبعث بضبابية قراري،  لعلها كلمات مبهم قصيدها لا تسعى إليك، تمضي إلى القاع حيث بحيرات ملونة يلفها ضباب العدم ، دون هوادة ،عدت فشِئت أن تستوقفها عندك، وعلى جدرانك سلفا تفننت ، فرسمتَ أفق الصحوة لتصبح مساحات الجسد مشرعة لرياح غاضبة 

ثم تفانيت في وأد جوهرك كهباء ، حتى نُصب على جدارك وثنٌ تسجد له ظنونك، و ظنوني نُثرت غبارا وسط تلاطم الأمواج ، لتدس أنامل الخدر في مسودة القلوب.

متمردة أنا لا أقبل الظنون ، في عيوني بريق عتيق ، سائرة على جثت صحوتي، و ما عاد يجدي سباق الفرج مضماري وسط حقول الخزامى، و أرواحي مشردة في القفار الغريب, لاشيء فيها سوى  شمس كعين اليتيم , و إن يكن بوحها مخرزا بنور خافت كشموع القداس من شجر استوائي، و كل القوافي باتت منسولة الثياب

إلى أين سأبحر؟

وعلى قارعة القصيدة الأخيرة، تقرع خلايا اللوز رمق التودد، وهو يخاصم الحياة، و يطفئ أزرار الضوء من جيوب تخلع أكتاف الماضي بعذوبة صماء. 

غادرتَ فضاءاتي منثورة مع حفنة من الانبعاث، و طين الأحقاب فوق خيوط الجسد لتتكدس الكدمات ،و تصهل الخطوات بوجه دوائر الإنعتاق، فتتراقص الأوجاع من قبلة نازفة، و مشنقة أعلنتها في مداي، و أنا بين ومضة حلمي و محبرة تجمع الندى، كنت أحيا من جديد و في صمتي نداءات تختصر وجع المسافات ،و لاشيء يتعب الذاكرة أكثر من مواويل الخصام

و في مكان ما قبل ولادة الغيث ، أجلسُ ب المنفي فينعدم الشذا وربما تجالسني بعض الأمنيات العذاب حتى و إن لم يعد ظلي هناك، و حري بي أن أنام على غرة القمر،مستسلمة لبصيرة لا تطرف ، أخاطب عيونا تتمدد على جداولي حتى يصل مداد ألواني إلى المجرة 

و حشو مخدتها جعلته من ليف الحزن شاخصا بكم الذهول على صفحة الخيبة كلما أذن مؤذن الرحيل ،و شبَّ غلام الأمل بغابات الأبجدية ، ليذكرها الحلم إن تاهت اليقظة و سار على سكة حكاية حُجب نفقها المظلم، ليأتي الحلم المتمرد المجنون صامتا خلسة 

يقل الحذر المنتظر على رصيف ذاكرتي و بداخلي  حديث امرأة كتومة يتردد في كل مكان ، و يأبى التدوين كلما غفت العيون ، فنسقي السنوات قدحا و نشرب حتى ترتوي اللحظات العالقة في الجفون، و تفيض العيون نورا

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى