الرئيسية

حين يغرد القلب خارج السراب

المغرب تحت المجهر…بقلم هند بومديان 

– إلى أين أيتها النفس المتعبة؟

سرت في زحام الروح أتخبط على غير هدى مع طعم الدهشة الأولى  ، و لا أعرف للراحة سبيل ، تتلكأ السنة في مشنقة الفصول  لتنبت  الزهور في نيسان ،   و تهرب من طريق إلى طريق. 

حملت كرامتي ، و مضيت هائمة أنا و روحي ،   ألثم ما تبقى من أثار خطى الأحلام على أعتابي ، ف أهرب من جحيم يحرقني  ، فيضيع العمر و يحمل  باقة من  الحزن معه ليجهض الحديث في صدري  ، ثم  أبحث عن بقعة سلام أضمد فيها جراحي، ربما…… 

 لم يعد يشبهني ذاك التعب الذي يزهر من حزن الغيم يوما، أوعمرا ، أو حتى  لقاءا صباحيا ،  ليزرع بذور حلم فوق تراب الأفق،  تارة ينبت أقحوانا ، ف أنتظر على مضض ولادة أخرى، كتلك التي س تهطل بقطرات من أنين ، ف أعود لأطرق نوافذ أفكاري الشاردة في ديسمبر ، علني لا أغرق  في صخب الحنين ، و حروف الحب ، و رذاذ الشوق ،  و نبضات تكلى تجعل الحلم  يستيقظ، ليضيء طيف السنى في الأفق.

ربما بيني و بين كل هذا الصهيل  مساحة كف ،  و صمت  ، يربث على روحي ، عساني أجد غريبا يسمعني أو يسكنني  ، يفتح لي قلبه فأحدثه عن نفسي ، عن ضغوطاتي ، عن همومي وأحزاني ، عن هزائمي وانكساراتي ، أخطائي ، مخاوفي ، عقدي ، نقاط ضعفي التي تلازم سري ، أشلائي المتناثرة وكل شيء لم أواجه به نفسي ، بحاجة لغريب أبوح له بثقلي ،  فيحمله عني ويمضي لا يفشيه لأحد .

أبحر في التيه ، أصافح تارة كؤوس النبيذ الفارغة من أول أمس ،  و كومة دحنون ،  و أوراق حناء ، تخضب عقد الأيام دون أن نسأل الفراشات أين تـأوي عصافير الرب ؟ كما كانت تفعل ليلة العيد ، و أنا مازلت أمسك قلمي لأتكئ بحروفي على  صدرِ الأُمنيات .

يبلل صوتها مآقي الدمع يوما ما ،  لأدرك أن الشمس عينها  لا تغيب ، و العمر لا يسأل شجرة الزيتون لماذا لا تشيخ ، لترحل من عبير عطره شذرات تسافر مني إلي ،  مهما أسود ليلها المعتم ،  ليلتف حولي كالغمام ، و يعقد حول الأبواب و الستائر ضياعه يوما ما ،  عله يصدق ما قالته العرافة ذات عمر ،  ف يصب الملح بوريد العمر ، و يضغط بكل قوته على جرحه النازف  ، لكن النوافذ نسيت كيف تتثاءب ، و ضوء القمر عاقر البكاء.   

حاولت مرارا الخروج من عقدات النبض ،  تتحشرج الأنات بصدري ، لأرصد الضحكات و الدمعات في ديسمبر هذا العام ، و تتحجر الدموع بالمآقي عساها  تربت على السكون ،  فيوقظها نداء الصوت الفيروزي من لحظات الإغماء ، ل يلف الضجيج رأسي  ، و أريه أني لن أتسلق سلم خيباتي ،  و لا أنسى ما أتمنى ،  و أنا الشريدة على شواطئ العمر ،  قسما برب البرق و الرعد، لأخبرن الله كم أحبه ، أكثر مما أحب ذاتي لأنال البرزخين ،  دون أن أخبر القمر عنهما.

ف لا يغار الحلم  الذي زرعناه معا على حواف الغيم ،  و لا تتدلى من أجفان القمر كل مساء نمارق لجين ، و بعض حبات نبض ،  و ذاكرة تخزن دفء اللحظات، فتتداخل مشاعري و يحرق بعضي بعضي .

قالت :

متبعة أنا يا زمن ، 

وحيدة  ، أعاني صقيع الروح وأترنم الضياع ك أغنية حزينة …

قالت :

كثيرا ما يوقظني الفجر و أنا متعبة ، ك ميت يحمله كفن ،  وُلد هكذا متعبا و لا يجد للراحة سبيل ،  ف أخبر نيسان أنني اشتقت لكل التفاصيل ،  و الملامح ،  و الشامات ، ف أمضي إلى ما لا يستحق أن أجعله بداية يومي .

كثيرا ما يزهر البنفسج على عتباتي، فتغفو عيني و تنام ،  و يلتصق ملامح وجهها على كفي ،  فتبلل تربة روحي بصوتها .

فكيف أقنع نفسي بالرحيل، و أفك أزرار الخصام ؟

و أنا التي ترسل ظلالها إلى براح الروح ، قبل أن تخونها شجاعتها و يجتاحها ضعف يشدها إلى الوراء .

– و من يدري ؟

لمتاهة الروح رهبة ألفتها ، و كلي فوضى تتبختر أمامي متمردة، ساحرة ، و كل ما يشغلني ، و يغمرني شعوري بجاذبية الأمور ، فلا العمر يرسم فرحا مغادرا ، و لا الصمت يمتطي جسدي الشارد ، و لا القهوة عادت كما كانت ذات مساء ،  و صوت صرير الفجر يذبحني من وريد الشوق إلى وريد نهاية العمر  ،  حاولت مرارا امتشاق الحلم ، و كل الملاحم التي أسردها على ذاكرتي كانت أثقل من القدر ، فأوشكت أن أعلق تعبي على دوح السراب ، عندما يحضر الضباب   .

و أسألني ،

 عن تعاويذ النوم الأخيرة ، و أمضي ، و الفجر ينتظر أن يفل حتى يأخذ دوره كشيء مهم ،  أو  كروح  شريدة .

و أسألني ،

– هل مازال في القلب متسع للإنتظار ؟

ينثرني يقيني على طهر جذوة الندى ألقا ، و الكون ساكن على ناصية الأمل بأسارير الهوى ،   كنور مسافر في مسامات القدر ،  و الفجر سر،  و السر روح متفردة النبض ، تحيك ضفائر الضياع،  ليسكن فوح الندى وجدانها ،  و يتنفس الفجر من مباهج النور،  ليرسم وشاح الحب المنسدل الضياء ،  ف تحوم فوق قلاعي أقاويل سرقت شمس الأمل ، و قطعت أوتار التعب ،  و لم تدرك من الفجر إلا هجعة النفس ،  و خسوف الحب .

أعاند عبثية الحياة ،  و عهد اللقاء ،   ف تحوم فوق قلاعي أقاويل ، انتفضت متمردة لترسم تباشير حرف ،  و لهفة ،  و صوت اشتياق يقصف الجو قصفا في منتصف العمر ،  فيبصر أهل الروح جثوم الظلام على أنفاسهم .

أمضي ، و قد تنفس الفجر، و أضاءت الروح سراجها ،  لتخلف نورا قد غاب خلف الأكمة البعيدة للأقدار ، و تسربلت أنفاسه لتزيل غبار البعد ،  و تعيد لي نبض الحياة و أمضي ،  و للفجر انبعاث ينتشي بغيابي، ف أرى بعينيه الجفاء ،  و لفؤاده الخسوف في سمائه ،  ف أستشعر معه سريان الروح ، و رعشة الفؤاد ،  و أحاديث عابرة قصت على مسامع الصمت حكاية ضائعة ،  تنبعث في ذهن العمر تارة ، و تارة أخرى  يهتز لها الكيان  و كل شيء .

– ماذا أقول لنيسان ؟

 – و ماذا أفعل أنا ؟ 

و اسم الأحلام على شاهد اللحد يذبحني كل يوم …

سؤال تلعثم بحزني ،  وتعثر بدروبي ، و ما أهون الأمل  ، و ما أعدى الأيام ،  و أنا أسافر بحثا عن موطني ،  حاملة على ظهر قلبي حقائب ضياعي ، و اشتياقي لأخبئ داخلها خوفي ،  و بعض القصائد .

تارة ألملم شظايا روحي ، و بقايا حلمي ،  لأحلق مع الأنجم ، و تارة أوقد شموع لهفتي ، وأنسج لها قلادة من التعب ، و في سراديب روحي بوح يرفض الإنهيار ،  و جل النبضات قد هرمت و لم تعد تدري كيف يغرد القلب خارج السراب ، ليغني للروح ألحانا ، و يمسح برقة وجه الحياة .

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى