تذكرة النسيان
المغرب تحت المجهر…
ذات غروب حملت ماضيها في زوايا مثخنة بالنسيان ، تفهرس الذاكرة فصولا و أجزاء ، بعد أن أتقنت طيه بين صفحات العمر و رحلت ، ك أنثى تمضي ولا تمضي ، باقية و ليست بالقرب ، تجيد تسطير الذكريات ، حتى و إن أرهقها الهذيان ، وسارت بها الدروب و الوديان ل ترتقي بها أعالي قمم الضياع ، فيحمل الحاضر الماضي على أمواج بحر غارق في الحلم ، فتشعر ب الانتماء إليها و لأول مرة يفيض الدمع الراكد في عيونها عله يغسل معه ما يسكنها .
وكيف س تغفو تلك العيون ، و حروفها تخترق أوتار الروح ، كطعنات تكلأ العمر ، لتتساقط أوراقه تباعا ، و بين رموش القدر غفت روح تلك الأنثى الصاخبة حد الضجيج ، الهادئة حد الموت ، فصلبت بالهشيم ل تنبض بالارتجاف ، عل العقل يستريح من ضياعه في ذاك الركن القديم من الأحلام ، و لربما يجد تلك الحقيقة الممزقة من واقعه التائه ، ف يجدل ضفائر الكلمات و يستل من الحرف رحيق روحه ل يتركها هشة مدججة بالمعاناة .
ربما هذا ما يجري فعلا بداخلها لكن خبروني ؟
من يرشي ضمير القمر ليروي قصة حياتها ، و يتزحزح ولو قليلاً عن عنق الليل ، فينفث شظايا الأحلام ، و يعزف معه سيمفونيات وجدها الضائعة ، وملاذ روحها ، فتتناثر ملء الغياب ، و تنسج الذاكرة تاريخها العقيم ،
وحدها نبوءتها العائدة من براثين الخوف ، تجعلها تسكن ذاك الضياء ، لتنام في هاجس الليل ممسكة بنور النجوم ، تتحسس دفئا يزهر في الظلام لتنتبه إلى همس العواطف .
و فوق جدع أقدارها ، يهمس التعب ب صوت العندليب ، و ينير مشاعل الألق بردهة الحلم ، فتنقسم السماء ل حبات من نور و نار ، و شال من شفق الأمنيات ، تسمع أنفاس الليل بالأسحار تدثر مساءها بالسمّار ، و سكرة الشوق تعربد بالضياء .
أبحث عبتا عني فيها ، فأهز الرؤى من عيون القدر ، وليلي تيار جارف يصارع النهار ، ليسهر القمر لدي ، و لا صوت يسمع ، إلا ذاك الذي يتردد من وجيب قلبي ، و ربى روحي ، ف أضج بالعذاب سهوا و أعاتب علنا وشوشة الصمت و هو يمشط جدائل الفرح .
و أنا …
دعكم مني ، فأنا مجرد أسطورة في ذاكرة الوقت ، حين أتشظى يسن الخواء عراء الروح ، و سديم غربتها .
ف إلى متى سأظل أقتلع أشواكي ، و أحصد غلطات عمري ، و أنا تائهة بين مسافات الهذيان ، و الخوف ، و الارتباك ، و الفضول يقرع باب الروح
أكملت نصابي من الحياة ، و حملته بحب وتحنان ، ك وليد عمري ، أفك أساريري ، و أسمع صهيل النوايا بدم العذارى ، و كلي يقين ب أن ربي سيروي زهرة قلبي مهما أصابها الذبول .
أقرأ كثيرا , ثم أستيقظ كـ منبه شوق ، دأب توديع ذكرياته المغلفة بالغيوم ، و شظى أحاسيسه ليسترد نفسه من غمامة الحنين ، أذرف دمعاً كثيرا و فيضا من حبر بداخلي ، لأدون حروفا عبثية التساؤلات بلا متن ، و إن لامست روحي صدقا ، وحقا ، ستنساب من حولي كشلالات من معان ، ودررا من أفكار، فما تكاد المشاعر تختزلني ، حتى تتسرب الأماني ، و تفيض الدموع ، ومن خمائل الياسمين أنسج ثوبي ومن رحيق الجوري أتعطر .
و لأنني أنثى تجيد العزف على أوثار حروف موشومة على كف السماء ، و تتقن نسج كلمات بحدس السنابل وتغزل الأمنيات الهاربة ، حين ينتاب الشعور السامي لوثةُ واقعي هناك بين ركام التعب ،علني أمارس طقوس الحياة بصمت .
ككل مرة أرتشف قهوتي من رحيق الحروف ، و أرسم شوقي على ملامح الوقت , فينساب عطره بين الفينة و الأخرى ، ل تترنم حياتي من ساعات السحر .
و حينما تبزغ ابتسامتي في شروق تلك القصيدة ، ألبس وإياها ثوب المشتهاة ، و أحمل ذاكرتي ما لا طاقة لي به ، لأودع ذاتي الطريق الطويل المرهق .
تبا ، هذه أنا أهرول بين متاهات العمر، أتدحرج على أرصفة الزمن ، وأعود من جديد لرسم فرحة اللقاء على جبيني ، بلغة شوق وعناقيد وجد ,
اعذروني طال بي المسير ، وحان وقت خلوتي ، سبع غافيات كانت مسائاتي ، و سطر يتيم كان عزائي في غربتي ، لأرسم هناك عند الضفة قمرا و سحابتين ، تغرفان من وجنة الضياء ملامحي ، وتنسجان من نجومه العذراء قلائد الدرر لأكتسي من سحرها الصبر .
ف يا شرفة القمر لا ترسلي النجوى , و طلة الأقدار التي يلفها السمار بعيدا للسماء ، لا زلت انتظر الهطول ها هنا ، فلتسقط أقمارك على هذياني ، ولتسكبي عبير بسمتك في عيوني ، كي أراك نرجسا يزين صباحي و مسائي ، و أرسم على وجه الليل ثرثرة الرحيل ، و صمت غابات الغسق برجفة نوتيها الأسحار حين انتظار في دوح الأصيل , وفي كل وادٍ تمرَح فيه الأقدار ,
أبلل مقل المشتاقين مرارا للغوص بين حواف السطور و حكايا الحنين ، و في عالَمي الخاص أرسم حدودي ، هناك بعيدًا عن واقعٍ أدمَى قلبي ، فتبخرت أبجديتي ، و أحرقت حروفي في بوتقة الصراع .
فعلا فقدت الكثير في أزقة الروح لكنني أشتهي أشياءا صغيرة تماهت مع ظلالي , و أحلاماً برائحة القرنفل تهطل مطراً ندياً ، شرساً ، و ساذجاً يتعالى برفق فوق خد السماء ، لتولد قصيدة سريالية على صوت عبيرها ،
فتخبرني أنني أنثى القمر و كلما جف رحيقُ الحروف ، تريثت قليلا في طريق عودتي لعلي نسيت ذكرى بين حناياها بوح و بهجة تسهر اللحظ .
أيحزنني ذاك الصمت الذي يستحوذ علي ؟
أم انثر رمادَ الأيام وسط الشهور وليلي تيار يصارع النهار ؟
ف يا أيتها الأقدار هاتِ لي لحنا ماطرا تناءَت فيه الروح لأكمل نصابي ، عله يهجرني ذاك الصمت الذي يستحوذ علي إن طل من شرفة قمري ، و لا ترسلي يا سليلة الضوء النجوى بعيدا للسماء ، ف أنا أنتظر موعد هطولي ها هنا ، لأتساقط و أسكب عبيري على عيون جورية نعسى في ثنايا قلبي ، لتتكدس جراحي ف أحجب في معابد العشق وأشعل شموع الفرح
عل الأيام ، فتطرز حروفا من دموع و وداع ، وأحملها عناقيد السطور حتى أغزل من حروفي خيوط القمر .
و لأنني أنثى ترتشف قهوتها من رحيق الحروف ، و وحده عناق روحها يزيح عنها برد الشعور ، و يمحي طعم الحزن من حنجرة ذاكرتها التعبة ، ف أنا أسأل روحي دائما على أي غصن تغرد حروفي ، و تقلقني ثورة مشاعري و أنا أتجول داخلي و إلى أي حد يخيفني سكوني ؟
….. ربما للحد الذي لا أشعر فيه بشيء معي
بت أتنحى أحيانا انهياري ، و ربما بات اعتناق الصمت واجب حين أشعر أن الكلام لا يجدي ولا يروي و إن أتت قطراته برفق ، لتلامس رواسب حزن و ألم علق في دواخلي فعلا عنواني وسط السطور .
وحدي الليلة أشعر بالتآكل ، و إرهاصات اللحظة تنتاب الأحلام ، بعدما ارتعشت الأنامل هلعا و جفت أوراق الحروف، فارتدت معان كثيرة من نوافذ روحي و شغاف قلبي
إذا كيف للحرف أن يولد ، وحمى النِّفاس تطارده قبل أن يعانقني ؟
ربما حين أراني نرجسا يزين الفضاء و يرسم طلة القمر و مخيلتي لا تشاطرني تسابيح النسيان بصمت و أنا التي لا تنحني أبدا للريح و لا تتجول بغابات الغسق و لا تهمس ب ثرثرة الرحيل ، و رجفة الانتظار ، و على حافة ديسمبر يتهلل خافقها للقاء بعد وجع .
بقلم هند بومديان